تعتبر العمارة التقليدية والفنون وسيلة قوية لاستكشاف التاريخ والذاكرة، وتعكس هويتنا الثقافية وتعزز الاتصال البشري. تتميز الفنانة الدكتورة زهرة الغامدي، التي تعمل كأستاذ مشاركة في كلية التصاميم والفنون بجامعة جدة، بقدرتها على استكشاف الروابط العميقة التي تربطنا بتاريخنا وتراثنا من خلال العمارة التقليدية والمواد الطبيعية.
تتمحور أعمال الفنانة زهرة الغامدي حول مفهوم “الذاكرة المتجسدة”، حيث تسعى لترجمة وتحديد مواضيع الهوية الثقافية والذاكرة والفقدان من خلال تجميع جزيئات الأرض والطين والصخور والجلود والماء في عملية مرهقة ومتأنية. تعكس عمليات صنعها والوسائط التي تستخدمها تصوّرها الموقعي للعالم وتجسيدها لروح الأصول والتواصل.
بدأت الغامدي مسيرتها الفنية في المملكة العربية السعودية، حيث نشأت في الجزء الجنوبي الغربي منها. وقد أكملت درجة البكالوريوس في الفنون الإسلامية من جامعة الملك عبد العزيز، وحصلت على درجة الماجستير في الحرف المعاصرة من جامعة كوفنتري في إنجلترا. ولقد حصلت أيضًا على درجة الدكتوراه في التصميم والفنون البصرية، حيث ركزت أطروحتها على تحليل العمارة المنزلية التقليدية في جنوب غرب السعودية بأسلوب معاصر.
في سؤال عن ماهو فنك وكيف تطور مع مرور الوقت ؟
قالت الغامدي: معظم أعمالي تتمحور حول التركيب وتشمل الهياكل المعمارية والمناظر الطبيعية، حيث أستكشف الذاكرة والتاريخ. غالبًا ما أقوم بأستخلاص المواد التي أستخدمها في أعمالي من الطبيعة، مثل التربة والطين والحصى والجلود والماء. أرى أن هذه المواد تحتوي على “ذاكرة مجسدة”، وتستطيع أن تكشف عن جوانب الهوية الثقافية والتذكر والفقدان. تتطلب أعمالي العديد من المهارات اليدوية، مما يسهم في إنشاء ارتباط مادي هام بين الأعمال والمواد المستخدمة، مما يتوافق مع أهمية خصوصية الموقع وإستخدام الأساليب التقليدية في ممارساتي. أعتبر ممارستي الفنية ممارسة حسية، حيث أنني أولوية الرائحة والملمس ووزن المواد مثل الرمل والجلد والسنط والقطن والجص لتحديد كيفية استخدام كل مادة.
وأفادت الغامدي أنها قد شاركت في العديد من المعارض، بما في ذلك مشاركتها في متحف اللوفر أبو ظبي في عام 2023 وواجهة حي جميل. كما شاركت في بينالي صور في البرازيل وبينالي الدرعية في عام 2022، وأيضًا في مهرجان كوتشيلا ديزرت إكس في كوتشيلا في عام 2021. وقد أقامت أيضًا معارض فردية مثل “الأنهار تحرك المحيطات” في أثر غاليري بجدة في عام 2019، و “بعد الوهم” في الجناح السعودي في بينالي البندقية في عام 2019، و “قرية هامدة” في المتحف البريطاني في لندن في عام 2017.
وعن تفسيرها لأعمالها الفنية للجمهور وماهو تأثيره عليهم؟
أجابت الغامدي: كل أعمالي الفنية بلا استثناء تعبّر عن هويتي الثقافية، ولكن الاختلاف هنا يكمن في كيفية نقل هذه الهوية برؤية مختلفة ومعاصرة، بحيث أستطيع أن أجمع بين الماضي والمعاصر برؤية مستقبلية؛ لذا فإن أغلب المفاهيم التي أتحدث عنها من خلال أعمالي تلامس واقع الإنسانية .
وأضافت الغامدي، بأنها تفضل استخدام المواد الطبيعية في أعمالها الفنية بغية تحقيق رسالتها وأهدافها. و تحاول جاهدة تطويع هذه الخامات الطبيعية في أعمالها لإيصال رسائلها التي تركز أساسًا على الحوار مع الإنسان وتوعية الناس بمحيطهم وحماية البيئة. يرتبط ارتباطًا قويًا بينها وبين الأرض، وهذا يتجلى في أعمالها التي تتميز غالبًا بالشكل الدائري. استخدام المواد الأساسية من الطبيعة في تشكيل مجسماتها يعتبر دعوة صريحة لإعادة استكشاف هذه الخامات وإبراز قيمتها من جديد.
وعن أحدث أعمالها الفنية صرحت الغامدي: أحدث عمل قمت بالمشاركة فيه في حي جميل هو واجهة “الخلية”. يعتبر هذا العمل تأملًا في الأصول والتواصل. استوحيته من التصور العالمي للطين كمادة أولية للبشر، وحاولت تحويلها باستخدام وسائط اصطناعية لاستكشاف الروابط العميقة التي تجمعنا عبر الزمكان.
قمت بتصنيع أكثر من 400 قطعة يدويًا على مدار عدة أسابيع، مما أضفى على العمل سردًا للارتباط. تجتمع هذه القطع في تشكيلات تشبه الأمواج، ممثلة للمسارات المتعددة التي تتقاطع وتتشعب في حياتنا. يعمل القماش المتعدد الطبقات كرمز للطبقات المعقدة للتفاعل البشري وعمق ارتباطاتنا وغنى قصصنا المشتركة.
تم تقديم لوحة فنية متنوعة من خلال تراكم القماش واستخدام تنوع الألوان، مما يعكس تنوع البشرية نفسها. يهدف هذا العمل إلى إلهام المشاهدين للاستكشاف والتفكير في الروابط العميقة التي تجمع بيننا جميعًا وتعزز ثراء تفاعلاتنا البشرية.
وأضافت، مصدر إلهامي في هذا العمل كان في بداية تقديمي للاقتراح. كان من المهم بالنسبة لي أن أقدم اقتراحًا يشجع على الشمولية، حيث تكون الواجهة دعوة للحوار المفتوح مع جميع فئات المجتمع، حيث يمكن لكل زائر أو مشاهد للعمل أن يجد زاوية تأمل خاصة به من خلال رؤيته الخاصة.
وفيما يتعلق بعنوان العمل، فقد كانت “الخلية” هي الوحدة الأساسية للحياة وبناء الكائنات الحية. وفكرة العمل ساعدتني في اختيار اسم العمل، حيث أردت أن يكون الاسم عامًا وشاملاً للرسالة التي يهدف إليها العمل.
الخامات المستخدمة في عمل “الخلية”
تم استخدام القماش والطين الصناعي كخامات رئيسية في العمل الفني، و ألوان الطين لإضافة تفاصيل ولون للعمل. كما استخدمت المطرقة والمسامير كأدوات رئيسية في عملية التشكيل وتثبيت القطع. العمل الجديد هو استمرارية للاستخدام السابق للخامات في عمل بينالي الدرعية، ولكنه يتميز بجرأة أكبر في التشكيل واستخدام ألوان متعددة.
كما قالت عن التحدیات التي واجھتها في ھذه التجربة الفنية، إن إنشاء فن بهذا الحجم يُعتبر تحديًا واحتفالًا في الوقت نفسه. فهو تحدي بسبب الحجم الهائل والتفاصيل التقنية المعقدة المشتركة. ومع ذلك، فإنه احتفال بما يمكن أن يحققه الفن – حوار مبادر، فكرة مستفزة، واتصال محقق.
و كانت عملية إنشاء هذا العمل رحلة شخصية بنفس القدر الذي كانت رحلة جسدية. تحدّتني التحديات المرتبطة بالحجم وتعقيدات التثبيت، ولكن لم يُعيق ذلك إمكانية لمس القطع الفنية وإثارة الحوار أثناء تشكيلها كجزء من المشهد اليومي.
التغلب على التحديات في إبداع الفن الضخم
كيف تعاملت مع تلك التحديات وتجاوزتها ؟
تعاملت مع تلك التحديات عن طريق التخطيط المتأني والتنظيم الجيد، واستخدام الموارد والأدوات الملائمة. كما اعتمدت على الإبداع والمرونة في مواجهة أي مشكلة تنشأ. وبفضل العزيمة والتفاني، تمكنت من تجاوز تلك التحديات والوصول إلى النتيجة المرجوة في العمل الفني.
قوة التعاون والابتكار في أعمال الفن
ما الممیز في تجربتك في واجھة حي جمیل عن التجارب الفنیة السابقة ؟
كانت التعاون مع آرت جميل رحلة ملهمة نحو تحقيق رؤى مشتركة. يتميز آرت جميل بالتزامهم العميق بالتعبير الفني والمشاركة المجتمعية، وهو ما يعكس في أخلاقية العمل الذي يسعون إلى إنتاجه. يهدف هذا العمل إلى جذب جمهور واسع، ليس فقط عشاق الفن، بل كل من يمر ويتوقف لاستكشاف معناه العميق.
وأشارت عن أكثر ما يميز أعمالها، بأنها تبرز القوة في التشكيل و معالجة الخامات فيها بطرق مبتكر.
في الختام، كلمة أخيرة تودين قولها لمجلة ديزاين ؟
أود أن أعبر عن امتناني العميق لفريق مجلة ديزاين على تفانيهم واهتمامهم المستمر في تقديم محتوى ملهم وجذاب في مجال الفن والتصميم. أنا ممتن جدًا للجهود التي يبذلونها لنشر الإبداع والابتكار، وأود أن أشكرهم على مساهمتهم القيمة في تطوير المجال وإلهام المهتمين والمبدعين. شكرًا لكم!